بداية الحياة السياسية
١٩٣٦ - ١٩٥٢
محمد أنور السادات ١٩٣٦ - ١٩٥٢


في عام 1936، أبرم مصطفي النحاس باشا، رئيس وزراء مصر معاهدة 1936 مع بريطانيا، والتي سمحت باتساع الجيش المصري تأهبًا للحرب العالمية الثانية مما أتاح لأبناء الطبقة المتوسطة فرصة الالتحاق بالكلية الحربية وأن يصبحوا ضباطًا في صفوف الجيش فدخل على أثرها أنور السادات، وجمال عبد الناصر ومجموعه كبيرة من رموز ثورة يوليو إلى الكلية الحربية، وفور تخرجه من الكلية الحربية ألحق بسلاح المشاة بالإسكندرية، وفي العام نفسه نقل إلى "منقباد" بصعيد مصر ضمن مجموعة من زملائه الضباط الشبان، وهناك التقى لأول مرة بالرئيس جمال عبد الناصر، يقول أنور السادات عن هذه الفترة: "كنا ضباطًا صغارًا، وكان لنا قواد. وكان هناك أيضا إنجليز، وكان قوادنا المصريون لا عمل لهم إلا إذلالنا والانحناء أمام الإنجليز، وكنا نرى هذا الوضع الكريه فنحترق، ونسخط ولكننا لم نكن نستطيع أن نتكلم وماذا يستطيع ملازم ثانٍ مثلي أن يفعل في داخل النظام العسكري، وفي تلك الأوضاع الرهيبة إلا أن يسكت، ويكظم الغيظ ويدخن النار في حشاه! هكذا كانت أيامنا. ولكن ليالينا كانت تختلف اختلافًا كبيرًا، ففي جو من الصداقة والألفة كنا نجلس فنمرح، ويذهب هذا المرح شقاء اليوم الطويل، وشقاء الجسد، وشقاء النفس، وشقاء الغربة في جبل بعيد".


وفي ظل تلك الأمسيات قام السادات وعشرة آخرون من الضباط بتأسيس جمعية سرية "ثورية" هدفها الأساسي هو تحرير الدولة، وهكذا بدأت النواة الأولى لتنظيم الضباط الأحرار بمجموعة من الضباط في معسكر تباب شريف بمنطقة "منقباد" بالصعيد.. جمعت بينهم زمالة العمل والسخط على الإنجليز.

وانتقل أنور السادات في أول أكتوبر عام 1939 لسلاح الإشارة، وبسبب اتصالاته بالألمان قُبض عليه وصدر النطق الملكي السامي بالاستغناء عن خدمات اليوزباشي محمد أنور السادات، غير أن السادات لم يتم فصله من الجيش فقط بل قرر الإنجليز اعتقاله، وتم نقله بالفعل إلى سجن الأجانب. وتنقل السادات ما بين سجن الأجانب بالقاهرة إلى معتقل ماقوسة بمدينة المنيا في الصعيد ثم إلى معتقل الزيتون بالقاهرة، وهرب من المعتقل عام 1944 وظل مختبئًا، حيث سقطت الأحكام العرفية، وبذلك انتهي اعتقاله حسب القانون، وأثناء فتره هروبه عمل السادات تبّاعًا على عربة لوري، كما عمل تبّاعاً ينقل الأحجار من المراكب النيلية لاستخدامها في الرصف، وفي عام 1945 انتقل إلى بلدة أبو كبير في الشرقية حيث اشترك في شق ترعة الصاوي.



وفي عام 1946 اغتيل أمين عثمان باشا وزير المالية أيام حكومة مصطفي النحاس التي فرضها الإنجليز بقوة السلاح في الرابع من فبراير 1942، إضافة إلى أنه كان أكثر من صديق للإنجليز ومساندًا لبقائهم في مصر وصاحب نظرية الزواج الكاثوليكي بين مصر وإنجلترا، واتهم في القضية عشرون شابًّا من ضمنهم محمد أنور السادات، وكان المتهم رقم 7 في قائمة اتهام النيابة التي وجهت إليه تهمة الاشتراك في مقتل أمين عثمان، وبعد قضاء 31 شهرًا بالسجن حكم عليه بالبراءة، وواجه الحياة بلا مورد مالي وضاقت به الدنيا، حتى استطاع في أواخر العام 1948 أن يحصل بمعاونة الكاتب المعروف إحسان عبد القدوس على عمل كمحرر صحفي بمجلة المصور بدار الهلال التي وافقت على نشر مذكراته أيام السجن. حيث أخذ في كتابة سلسلة مقالات دورية بعنوان 30 شهرًا في السجن، وكتبت المجلة في تقديم الحلقة الأولى من المذكرات:

"اليوزباشي محمد أنور السادات هو أحد المتهمين في قضية الاغتيالات السياسية مع حسين توفيق وحكم ببراءتهم وهو أقوى المتهمين شخصية وأكبرهم عمرًا وأكثرهم ثقافة وتجربة .. وكان قد عكف أيام سجنه على تدوين مذكرات تصوِّر الحياة داخل السجن أصدق تصوير، وهذا هو الفصل الأول من تلك المذكرات التي سنوالي نشرها تباعًا".



وبعد ذلك تزوج من السيدة جيهان رءوف صفوت، وكان قد انفصل عن زوجته الأولى في مارس 1949، كما مارس بعض الأعمال الحرة، ثم حدثت المفاجأة الكبرى التي غيرت مسار تاريخ أنور السادات حين استطاع عن طريق صديق قديم له يدعى يوسف رشاد -وهو ضابط طبيب أصبح من الأطباء الخاصين بالملك فاروق- أن يعود للجيش في الخامس عشر من يناير 1950 بنفس الرتبة التي خرج بها وهي رتبة يوزباشي، على الرغم من أن زملاءه في الرتبة كانوا قد سبقوه برتبة الصاغ والبكباشي، وقد رقي إلى رتبه الصاغ 1950 ثم إلى رتبة البكباشي عام 1951، وفي العام نفسه اختاره عبد الناصر عضوًا بالهيئة التأسيسية لحركه الضباط الأحرار،