ما بعد الثورة
١٩٥٢ - ١٩٧٠
السادات نائباً لرئيس الجمهورية



اعداد وتحرير: طه الدالي

كان السادات ينزوي و لا يشارك بشكل فعال و رئيسي فى الاجتماعات، و كان يتهم من الاخرين بالضعف و عدم معرفة الأمور، فى حين أن السادات كما قال محمد نجيب عنه لا يحب الأشياء التى فيها مشاكسة او غير ذلك .


و قد تحير الكثيرون من اختيار عبدالناصر للسادات ليكون نائباً أول له، رغم ان تاريخ العلاقة المعلن بين الرجلين لم يكن بالقوة التى عرفت عن علاقة عبدالناصر باخرين، كما أن وداعة السادات قبل توليه مقاليد ذلك المنصب لم تكن تعطى انطباع أنه الرجل المناسب لذلك المنصب بالغ الحساسية، و إذا عدنا إلى الوراء قليلاً نجد أن عبدالناصر و السادات التقيا لأول مرة فى منقباد بأسيوط، و من خلال الانطباعات الأولى للسادات عن عبدالناصر أدرك السادات بفطنته وذكائه الفطري طباع عبدالناصر المزاجية التى تميل للكبرياء، فإذا كان الأمر كذلك و هو لم يكن قد ملك أى سلطة بعد، فما هو الموقف إذا أصبح فى مركز القوة و السلطة، كذلك فإن السادات قد علمته تجارب الحياة القاسية التى مر بها، ان يكون أكثر مكرا و أن يحطاط لنفسه .

أما محمود رياض فيقول، إن مصر كانت فى حاجة إلى قيادة مجربة لها خبرة بالحكم، و تستطيع أن تقود مصر إلى بر الألمان و هو ما كان يفتقده السادات، فقد كانت تنقصه التجربة السياسية الداخلية و الخارجية، إذ لم يسبق كلفه عبدالناصر منذ قيام الثورة بالقيام بأي عمل تنفيذي مثلما حدث بالنسبة لكافة أعضاء مجلس الثورة، و قد أبعده عبدالناصر كما يقول محمود رياض من المشاركة فى أى مفاوضات سياسية، و لم تكن لدى السادات المعرفة الكاملة بما كان يجرى على حد قول محمود رياض .

ويضيف محمود رياض، أنه لا يعتقد ان عبدالناصر كان يرى ان أصلح من يخلفه هو السادات، و إلا ما تركه فى هذا الفراغ السياسي الذى كان يعيش فيه السادات حسب قول محمود رياض، و أخيراً يقول رياض، لقد سألت الكثيرين و قرأت للبعض تفسيرات مختلفة إلا أننى لم أجد تفسيراً منطقياً، و قد توصلت إلى أن هذا الموضوع بالذات سوف يبقى غامضاً للأبد .


وإذا كان البعض يهاجم السادات لأنه يشعر بأنه أحق من السادات لمنصب نائب الرئيس، فإن السادات لم يقم باغتصاب هذا المنصب، و لم يحصل عليه بطريقة غير شرعية، بل إن عبدالناصر نفسه هو الذى عينه فى هذا المنصب، و السادات أقسم اليمين الدستوري أمام عبدالناصر شخصياً، أما أن يأتي بعد ذلك من يدعى أنه كان هناك قراراًَ بأن يتولى شخص اخر هذا المنصب بدلاً من السادات فهذا كلام لا يستحق حتى التعليق عليه .

ومن خلال الصفحات السابقة رأينا كيف كان للسادات نشاطه البرلمان و هو احد أهم أضلاع النشاط السياسي بوجه عام، كما لوحظ أن السادات لم يدخل معترك حياة السلطة التنفيذية كوزير من وزرائها، و إن كان قد شغل منصب وزير دولة عام 1954م، و يذكر أن مكتبه كوزير دولة فى هذه الفترة كان فى مجلس الأمه و ليس فى مجلس الوزراء كما جرت العادة، ثم أصبح السادات وكيلً لأول مجلس نيابي بعد الثورة عام 1957م، ثم أميناً عاماً للمؤتمر الإسلامي عام 1955م، ثم رئيساً للجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوة الشعبية عام 1961م، كما كان رئيساً لمجلس الأمه أثناء الوحدة مع سوريا، ثم رئيساً لمجلس الأمه فى الفترة بين عامي 1964م – 1968م ، و يبدو أنه و فى إطار لعبة التوازن بين القوى داخل حلبة السياسة الداخلية، فإن عبدالناصر قام بتوزيع هذه القوى و رموزها داخل العمل السياسي دعماً لنظامه و لإبعاد الصراع على السلطة بعيداً عنه، و تم توزيع أعضاء مجلس الثورة توزيعاً يفرق بينهم و لا يجمع حتى لا يتحدوا ضده يوماً ما .


و يقول صلاح الشاهد الأمين الأول لمصطفى النحاس، و كبير الأمناء فى عهد عبدالناصر، أن عبدالناصر كان يعرف قدر السادات جيداً، و كان يعلم أن السادات سياسي كبير، ثم أضاف صلاح الشاهد: ان عبدالناصر لم يكن يريد تمكين السادات من المسائل السياسية حتى لا يتفوق عليه فيها، بالإضافة إلى أن السادات كان متفوقاً على كل أعضاء مجلس الثورة باعتباره خطيباً بارعاً .


أما السادات نفسه فيقول، لقد تساءل البعض فى حيره، كيف قضيت هذه الفترة الطويلة مع عبدالناصر من غير أن يقع بيننا ما وقع بينه و بين بقية زملاءه، و مثلما تساءل صحفي فى لندن قائلاً: إما إنني كنت لا أساوى شيئاً على الإطلاق، و إما إني كنت خبيثاً غاية الخبث بحيث تحاشيت الصراع معه و بقيت أنا الرجل الوحيد من رجال الثورة الذى لم يمسسه سوء ، بل على العكس عندما توفى عبدالناصر إلى رحمة الله كنت أنا نائب رئيس الجمهورية الوحيد، و هذه التساؤلات تدل على جهل هؤلاء جميعاً بطبيعة السادات، فلا السادات كان عديم الصفة أثناء حياة عبدالناصر، و لا كان السادات خبيثاً او لئيماً، و كل ما فى الأمر أن السادات و عبدالناصر تصادقا، و كان يختلفان أحيانًا و قد تحدث بينهما جفوه قد تطول شهرين مثلاُ او أكثر او أقل، و ربما كان السبب فى ذلك يرجع إلى اختلاف الآراء و وجهات النظر، او قيام البعض ممن لهم تأثيراً على عبدالناصر بالدس عنده ضد السادات، فلقد كان عبدالناصر يؤمن بالتقارير و يميل بطبعه إلى الإصغاء إلى القيل و القال .


و يؤكد السادات أنه لم يحدث و لو مرة واحدة أن وضع نفسه موضع الدفاع، فليس من طبع السادات أن يفعل هذا سواء مع عبدالناصر او مع غيره، و فى يناير 1955م تم إعلان قيام المؤتمر الإسلامي، و تولى السادات منصب السكرتير العام له، و قد أتاح هذا العمل للسادات زيارة بلاد المنطقة لجمع شمل الدول العربية و الإسلامية، و كذلك العمل من أجل تحقيق أهداف سياسية و قومية تخدم قضايانا .


و يذكر السادات، أنه استطاع أن يقوم بدور فعال فى إحباط حلف بغداد، و فى الأردن مثلاً أراد ملك الأردن أن يحصل على معدات و أسلحه لجيشه أثناء محادثاته مع الجنرال جيراليد تمبلر الذى وصل إلى عمان فى محاولة لضم الأردن إلى حلف بغداد، و قد ذكر تمبلر للمسئولين فى الأردن، أن الأردن ما لم تنصاع لنصائح أصدقائها فى الغرب، فإنها تجازف و تعرض نظام الحكم الحالي للسقوط و بالتالي ضياع استقلال البلاد، و كانت مهمة تمبلر باءت بالفشل، بسبب معارضة وزراء الحكومة الأردنية، كما كان هناك سبب اخر هو وجود مبعوث للرئيس عبدالناصر هو أنور السادات الذى كان يقيم داخل السفارة المصرية فى عمان، و كان على اتصال دائم بالقائمين بالتفاوض من الجانب الأردني و كان يبلغهم موقف القاهرة و رأيها من سير المفاوضات أولا بأول .


وعندما أعلن عبدالناصر تأميم قناة السويس كان السادات رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية، وفى اليوم التالي ذهب إليه السادات وقال له إنك لو كنت شاورتني فى الأمر لقلت لك تريث و كن حذراً، هذه الخطوة تعنى الحرب و نحن غير مستعدين لها، و الأسلحة التى لدينا تسلمناها حديثا و لم نتدرب عليها بعد بشكل جيد، و خبرتنا مع الأسلحة الإنجليزية فقط و ليس لدينا الوقت لتغيير العقلية العسكرية من غربية إلى شرقيه، و لكن ما دمت قد اتخذت قرار التأميم فنحن جميعاً معك و أنا أولهم .


و استمراراً فى استعراض أدوار السادات المختلفة نجد أنه فى عام 1958م، كان السادات هو المسئول عن منطقة الخليج العربي، و فى اجتماع مع بعض هؤلاء القادة و الزعماء، اوضح لهم السادات أن القومية العربية مبنيه على مبدأ المساواة، و أنه يفترض وجود مبادئ سياسية مشتركة بين دول الخليج و مصر، و لما كانت مصر فى حالة إلى تمويل لبعض مشروعاتها فقط تم الاتفاق على منح مصر عشرين مليون جنيه .


و تقول مصادر أخرى أن السادات عمل من داخل السفارة المصرية و استطاع بتمويل من السعودية أن يساعد الساسة الفلسطينيين و الأردنيين على رفض المحاولات البريطانية لإدخال الأردن إلى حلف بغداد، و قد أعتبر رفض الأردن الدخول فى الحلف صفعه مصرية موجهه إلى بريطانيا .


و من الجدير بالذكر أنه فى تلك الفترة أيضًا أعلنت الولايات المتحدة رفضها تمويل مشروع السد العالي مما دفع عبدالناصر إلى البحث عن بديل اخر و هو قناة السويس و ذلك لتأمين التمويل اللازم لبناء المشروع و تنفيذه .


و عقب تأميم القناة قال سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني، أنه رغم وجود أخطاء فى قرار عبدالناصر إلا أن هذا القرار وحده لا يعطينا الحق فى استخدام القوة ضد مصر، أما أنتوني ايدن رئيس الوزراء فقد أرسل إلى ايزنهاور يقول، إننا يجب أن نستعد لإعادة عبدالناصر إلى رشده .


و يقول البعض، إن السادات كشخصية سياسية لم يكن أبداً من الممكن التنبؤ بتصرفاتها، و أنه دائمًا يتصرف فى حدود ما هو متاح أمامه، إن ثقافة القرية التى نشأ فيها و عليها أعطته قدرة هائلة على التحمل .


و يذكر أيضًا فى هذا المقام و من بين المهام التى أسندها عبدالناصر إلى السادات، أنه بعد مؤتمر باندونج عام 1955م، كلف عبدالناصر السادات بتحضير الشيوعيين المصرين بأنهم إذا لم يلتزموا الحذر فسوف تكون نهايتهم مثل نهاية الإخوان المسلمين، و قد ظل السادات يناقشهم حوالى سبع ساعات متصلة دون جدوى، و عندها أعلن عبدالناصر عداوته لهم فأمر بالقبض على المئات منهم و سجن معظمهم دون أى تهمة .


و على أية حال، فقد نجحت مهمة السادات فى الأردن ثم اتجه بعدها إلى لبنان لمقابلة كميل شمعون، و استطاع أن يستخدم عداء عائلة كميل شمعون التاريخي للأتراك فى إبعاد لبنان فى حلف بغداد، أما فى بغداد فقد حدث أن نور السعيد أبلغ الصحفيين أن السادات جاء ليبحث انضمام مصر إلى حلف بغداد و فوجئ السادات بعد انتهاء الاجتماع بالصحفيين يرددون أمامه هذا الكلام، فأخبرهم أن هذا الكلام لم يحدث على الإطلاق و أنه حيله من حيل و الاعيب نور السعدي، و يقول السادات ان ما جعله ان يعيش بجوار عبدالناصر دون الصراع حوالى 18 سنة، هو أنه لم يكن يريد شيء، ولم تكن للسادات مطالب من أى نوع فى أى وقت، كما ان شعوره نحو عبدالناصر لم يتغير سواء كان عبدالناصر منتصراً او مهزوماً، كل هذا جعل عبدالناصر يلتفت حوله بعد 17 سنة و يتنبه إلى أن هناك إنسان لم تقم بينهما معركة او صراع فى أى يوم .


و فى عام 1960م، ذهب السادات إلى كوناكري عاصمة غينيا ليرأس مؤتمر التضامن الأفريقي الآسيوي، و الذى ظهر من خلاله و لأول مرة الخلاف العقائدي بين روسيا و الصين، و يتذكر السادات أنه بعد عودته من كونكري أصيب بأزمة قلبيه أشاع على إثرها صلاح سالم أن عبدالناصر هو السبب فى مرض السادات، و عندما ذهب عبدالناصر لزيارة السادات أثناء مرضه سأله عن مدى صحة هذه الإشاعة، فأخبره السادات أن هذا كله غير صحيح و إنما يعود الأمر إلى تراكم سنواتٍ من التعب و الإرهاق، بالإضافة إلى شدة الحرارة و الرطوبة فى كوناكري أثناء فترة انعقاد المؤتمر مما أدى لمرضه .


موقف اخر يذكره السادات و يدل على مدى التفاهم بينه و بين عبدالناصر، فلقد دعا عبدالناصر إلى اجتماع لمناقشة بنود اتفاقية الجلاء، و كانت هناك داخل مجلس الثورة معارضة و مزايدات، و تكلم الجميع و عندما جاء دور السادات قال :


أنه موافق على مشروع الاتفاقية بدون مناقشه، إن 1500 خبير ليسوا عسكريين و تحت حراستنا نحن المصريين، هل هذا يخيفنا، فليكونوا عشرة الأف خبير، لقد حصلنا على استقلالنا و اصبحت إرادتنا حره، إن من يرفض هذه الاتفاقية فهو سياسي أبله، و كيف لأى سياسي أن يرفض اتفاقيه كهذه لمشكلة عمرها يزداد على الخمسة و سبعين عاماً .


و موقف اخر يحسب للسادات، فقد كان عبدالحكيم عامر هو الرئيس رقم 2 فى مصر بعد عبدالناصر، و بعد هزيمة 1967م دب الخلاف بينهم، و حاول كل من عبدالناصر و عامر استقطاب السادات لصفه دون جدوى، فلم يقع السادات أبداً بعد ثورة 1952م فى فخ الانتماء او الانحياز لفرد او جماعة او فئة، او الدخول فى صراعات مع الاخرين و بذلك حافظ السادات على مكانته عند عامر و عبدالناصر على السواء .


كما يجب التذكير بأنه بعد نجاح حركة الجيش بساعات أستقر رأى عبدالناصر و من معه على اختيار السادات ليكون هو المتحدث الرسمي باسم حركة الجيش، ثم تم اختيار السادات مرة أخرى من قبل عبدالناصر و مجلس القيادة لكى يحمل إلى الملك فاروق الإنذار بالرحيل عن مصر فى 26 يوليو 1952م .


نقطة هامة أخرى عندما أستقال زكريا محى الدين عام 1968م، كان حسين الشافعي نائباً للرئيس دون سلطة فعليه و كان السادات رئيساً لمجلس الأمه، و لكن السادات كان مطمئناً تماماً لأن الدستور المصري كان ينص على أنه فى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأى سبب فإنه يتم فوراً تعيين رئيس مجلس الأمه رئيساً مؤقتاً للجمهورية إلى حين إجراء استفتاء شعبي على الرئيس الجديد، و بالنسبة للحالة الصحية لعبدالناصر و التى كان السادات يعلمها جيداً فإنه طبقاً للدستور كما أشرنا، كان السادات يعلم و يدرك تماماً أن منصب الرئيس قادم إليه لا محاله .


و موقف اخر للسادات كان عبدالناصر يتذكره دائمًا، فقد حدث فى برلمان 1957م و عندما كان السادات وكيلاً لمجلس الأمه، أن تم مناقشة بخصوص الفساد و الرشاوى و إهدار المال العام فى مديرية التحرير، و كان المناقشات تسير و البغدادي يرأس الجلسات و قال البغدادي، آن للشعب أن يعرف كل شيء، ثم نزل البغدادي من على منصة رئاسة المجلس و جلس ليشارك فى المناقشات بين الأعضاء، و أعتلى منصة رئاسة الجلسة بدلاً منه السادات و عندما أردا البغدادي الحديث عن فضائح مديرية التحرير، فوجئ الجميع بالسادات يقاطع البغدادي بشكل حاسم و حازم، و يعلن عقد الجلسة سرية، و قد عرف عبدالناصر يومها و أدرك أن هذا التصرف الذكي الحاسم من السادات إنما هو لحماية الثورة و سمعتها و لم يترك لاحد الفرصة بمن فيهم البغدادي رئيس المجلس لكى ينشر فضائح سوف تنسب إلى الثورة و رجالها .


و السادات لم يكن يحب أن يكون وزيراً، وعندما يكون هناك فكرة تشكيل وزاري جديد، كان يطلب من عبدالناصر دائمًا أن يبقيه خارج الوزارة، و تقول السيدة حرم السادات، ان سنوات السجن و الاعتقال قد تركت أثراً كبيراً على السادات جعلته لا يريد أن يشعر أنه مقيد بأي شيء، و كان يريد دائمًا أن يعيش حر فى كل شيء، و كان يحب الجلوس فى الشرفة دائمة لساعات طويلة مستغرقاً فى التفكير و التأمل حتى يشعر أنه مع السماء مباشرة .


و عن عبدالناصر يقول السادات أيضًا، أن عبدالناصر توفى إلى رحمة الله دون أن يستمتع بحياته كما يستمتع الاخرون، فقد أمضى حياته كلها بين انفعال و انفعال، و كان القلق يأكله أكلاً، فقد كان يفترض الشك فى كل إنسان مسبق، و كانت النتيجة الطبيعية لكل هذا أن خلف عبدالناصر وراءه تركة رهيبة من الحقد سواء بين زملاءه أقرب الناس إليه او داخل البلد نفسها بجميع طبقاتها .


وبعد نجاح الثورة كان السادات قابعاً فى الظل، فشاهد و راقب كيف أخذت الثورة تأكل نفسها، لقد أصيب السادات بالحزن و الألم و الإحباط بسبب ما حدث بين أعضاء مجلس قيادة الثورة من انشقاقات و صراعات، فلقد كانوا جميعاً صغار السن باستثناء محمد نجيب، و لم تكن لديهم الخبرة الكافية و لذلك أصيبوا جميعاً بصدمة السلطة المفاجئة .


ورداً على ما قاله البعض من أن السادات قد ورط عبدالناصر فى موضوع الوحدة مع سوريا و كذلك فى موضوع حرب اليمن، و بالنسبة لموضوع اليمن، فقد كان السادات على علاقة صداقة قوية مع الدكتور عبدالرحمن البيضاني أحد زعماء المعارضة اليمينة، وتحدث البيضاني مع السادات عن ثورة فى اليمن، و نقل السادات الحديث إلى عبدالناصر و بعد ذلك تطورت الأمور حتى أصبح السادات هو المسؤول السياسي عن ملف ثورة اليمن و المشير عامر هو المسئول العسكري عنها.


اما فيما يختص بموضوع الوحدة مع سوريا، فيمكن القول ببساطة شديدة ان عبدالناصر ليس هو الشخص الساذج الغافل الذى يستطيع أى شخص اخر ان يورطه فى شيء لا يريده هو، فان عبدالناصر كان يسأل على كل التفاصيل و يعرف كل الأبعاد، و بعدها يقرر حسب اقتناع برفض الموضوع او قبوله


ومن خلال استعراضنا لكل الفترة الماضية و السابقة على تولى السادات منصب نائب رئيس الجمهورية، نتذكر معاً ما حدث فى خلال الأشهر الأولى للثورة، حينما وجه الصحفي المعروف مصطفى أمين سؤالاً إلى جمال عبدالناصر نصه :


من تعتقد أنه خليفتك فى قيادة الثورة، أجاب عبدالناصر على الفور و بدون تردد أنور السادات، كذلك فإن الشيخ أحمد حسن الباقوري سأل عبدالناصر عن رأيه فى أعضاء مجلس قيادة الثورة، و كانوا فى أحد الاجتماعات المهمة و فى حضورهم جميعاً، وعندما جاء الدور على اسم السادات قال عبدالناصر أنه السياسي الوحيد بين هؤلاء جميعاً .


و عندما حدثت انتخابات اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي وجاء ترتيب السادات الرابع بعد على صبري و حسين الشافعي و محمود فوزى، غضب السادات و أعتكف فى منزله و ذهب عبدالناصر لزيارته، و قال عبدالناصر أنه لن يعترف بنتائج هذه الانتخابات، و طلب شعراوي جمعه و طلب منه أن تظل الأقدمية كما هي و كما قررها عبدالناصر بنفسه من قبل و هي أن يكون عبدالناصر أولا ثم السادات بعده مباشرة .

ويقول انتونى ناتنج وزير الدولة البريطانية فى كتابه (ناصر)، إن عبدالناصر بعد وفاة عبدالحكيم عامر ألغى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، و بعد أن أستقال زكريا محى الدين عام 1968م لم يعد هناك من يشغل هذا المنصب الذى ظل شاغراً إلى أن تم تعيين السادات فى ديسمبر 1969م نائبا وحيداً لعبدالناصر حتى وافته المنية فى 28 سبتمبر 1970م .


وبعد هزيمة 1967م ازداد السادات قرباً من عبدالناصر، و كان بيت السادات فى الهرم هو المكان الوحيد الذى يستطيع فيه عبدالناصر أن يذهب لكى يقضى عدة ساعات مع صديقٍ لم يكن يضغط على أعصابه بإثارة مناقشات سياسية او عسكرية .


وكانت زيارات عبدالناصر للسادات فى منزله تتم ليلا و تستمر حتى الفجر عدة أيام فى الأسبوع، و كان عبدالناصر يشكو للسادات همومه و مشاكله و مشاغله ويصارحه بكل شيء، مما دفع ببعض المحيطين بعبدالناصر للتسائل عن سر هذه الزيارات لبيت السادات بصفة خاصة، و من هؤلاء ثروت عكاشه، فأجابه عبدالناصر فورا و بوضوح تام، ابداً إنني أرتاح للسادات .


و أضاف عبدالناصر اليس من حقي أن يكون لي صديق أرتاح إليه، ومن خلال تلك الصداقة الوطيدة عرف عبدالناصر عن السادات ما لم يعرفه بقية المسئولين فى الدولة عن السادات .


و حادث اخر عندما كان عبدالناصر فى موسكو ذات مرة حصلت مشكلة بين السادات و أصحاب إحدى الفيلات فى الهرم، وعندما عاد عبدالناصر و عرف حقيقة الأمر أمر بالبحث فوراً عن مسكن ملائم للسادات ، فتم اختيار قصر على النيل كان يملكه مليونير يهودي اسمه ليون كاسترو ، و قد فرضت عليه الحراسة عام 1961م ، وتم مصادرة القصر بعد فرض الحراسة على صاحبه و على كل ممتلكاته عقب قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961م ، وهذا العمل يدل بوضوح على رغبة عبدالناصر فى إرضاء السادات .


و يذكر أيضًا أن عبد الناصر كان قد كلف السادات بعمل اجتماعات أسبوعية مع السفير السوفيتي سيرجى فينوجرادوف، لمناقشة القضايا السياسية و التصرف على طوق نتائجها و أبعادها، ونقل صورة كاملة لذلك للرئيس عبدالناصر، كما تم تكليف السادات بالسفر إلى موسكو يوم 12 ديسمبر 1969م برفقة كل من فريق أول/ محمد فوزى، ومحمود رياض وزير الخارجية لمناقشة بعض القضايا السياسية والعسكرية .


و موقف اخر ، فلقد أصيب عبدالناصر بأزمة قلبية يوم 10 سبتمبر 1969م، ولزم الفراش بأمر الأطباء، فأمر عبدالناصر باستدعاء السادات، محمد فوزى، سامى شرف، شعراوي جمعه، محمد حسنين هيكل، أمين هويدي، وشكل منهم لجنة برئاسة السادات لتدير البلاد خلال فترة مرضه .


و من الجدير بالذكر أيضًا ان عبدالناصر قد أصدر قراراً بتاريخ 17 فبراير 1964م بتعيين السيد أنور السادات نائباً لرئيس الجمهورية و قد نشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية بتاريخ 11 مارس 1964م، و لما سئل السادات عبدالناصر عن مغزى هذا القرار خاصة قبل افتتاح البرلمان الجديد المقرر له مارس 1964م، قال عبدالناصر، أنه فعل ذلك لكى يحتفظ السادات بوضعه الدستوري، و حتى لا يكون فى ترتيب البروتوكول بعد أعضاء المجلس الاخرين الذين سبقوه و تم تعينهم نواب لرئيس الجمهورية من قبل .


وواقعة أخرى فقد حدث أن زار عبدالناصر موسكو فى اواخر يناير 1970م، وكانت زيارة سرية، و عندما تعثرت المفاوضات فإن عبدالناصر هدد القادة السوفييت بقوله إن اجواء مصر أصبحت مفتوحة أمام إسرائيل تضربنا كما تشاء اعتمادا على عدم قدرتنا على المواجهة، فإذا أستمر الوضع بهذا الشكل فإن عبدالناصر ليس بالرجل الذى يستسلم أبداً، ولذا فإنني سأتنحى عن الحكم لكى يأتي من بعدى من يستطيع أن يتفاهم مع الولايات المتحدة، و يقول مراد غالب سفير مصر فى موسكو فى ذلك الوقت، عندما سمعنا هذا الكلام بقرار تعين السادات نائباً لرئيس الجمهورية فإن الامر لا يحتاج إلى تعليق .


و على أية حال فإنه فى يوم 18 ديسمبر 1969م طلب عبدالناصر من السادات أن ستعد ليؤدي اليمين ليكون نائباً لرئيس الجمهورية، فرفض السادات و قال أنه يكفيه أن يكون فى منصب مستشار الرئيس، فرد عليه عبدالناصر إن محمود الجيار يحمل لقب مستشار الرئيس و أنه مصر على رأيه، و فى صباح 20 ديسمبر 1969م، كان السادات و الشافعي فى منزل عبدالناصر لمرافقته إلى المطار فطلب عبدالناصر من السادات أن يتقدم ليحلف اليمين كنائب للرئيس، و كانت صدمة شديدة لحسين الشافعي، فأصفر وجهه و أحتقن و وضع رأسه بين كفيه فى حيرة بالغة .


و بالفعل سافر عبدالناصر و تولى السادات مسئوليات نائب رئيس الجمهورية بصفة رسمية و تم نشر قرار تعيين السادات نائباً لرئيس الجمهورية فى الجريدة الرسمية بتاريخ 25 ديسمبر 1969م .



أما خلفيات هذا القرار فيمكن تلخيصها فيما يلى :

عندما كان عبدالناصر يتأهب للسفر لحضور مؤتمر القمه فى الرباط، وصلته رسالة من حسن التهامي يخبره فيها، أن الجنرال محمد اوفقير وزير الداخلية المغربي أبلغ التهامي بأن هناك مؤامرة ضد عبدالناصر لاغتياله و أنها فى الغالب من تدبير الفلسطينيين، و على الفور حسم عبدالناصر الأمر و قرر تعين السادات نائباً له، لأنه حسب الدستور المؤقت الصادر عام 1964م، فإنه إذا توفى الرئيس او خلا منصب الرئيس لأى سبب، فأن نائب الرئيس يتولى مكانه إلى أن يجرى استفتاء بعد ذلك خلال شهر، و بعد انتهاء قمة الرباط، زار عبدالناصر الجزائر ثم ليبيا، و عند الهبوط فى ليبيا حدثت مشكلة فى عجلات الطائرة و لولا مهارة قائد الطائرة لحدثت كارثه، غير أنه بعد هبوط الطائرة بسلام تم إصلاح العطل الذى أصاب عجلات الطائرة و عاد عبدالناصر بسلامة الله إلى أرض الوطن .


و كان موقف الاتحاد السوفيتي من السادات، هو ان السادات شخصية ضعيفة و يمكن احتواؤها بسهولة من جانب رجال الكرملين فى مصر فى الحكومة المصرية، و قد سبق أن ذكرنا بعض الأسماء لهؤلاء و منهم بالطبع سامى شرف الذى يؤكد المؤرخ العسكري جمال حماد، أنه كان من أهم عملاء المخابرات السوفيتية K.G.B، ذلك حسب ما جاء فى كتاب ( ريدرز دايجست) و قد كتب هذا الكلام جون بارون .


و يذكر ان الملك فيصل ملك السعودية قال ذات يوم للملك الحسن الثاني ملك المغرب، أنه إذا أراد الله خيراً بمصر فسوف يحكمها أنور السادات .


وواقعة أخرى لا يمكن نسيانها، فقد حدث و أن اصيب السادات بأزمة صحية نتيجة الإرهاق فى صيف عام 1970م، وكان عبدالناصر يتصل بالسادات يومياً للاطمئنان عليه، ثم دعاه ليتحامل على نفسه و يحضر معه احتفالات عيد الثورة فى 26 يوليو بالإسكندرية، و بالفعل حضر السادات و بعدها أتصل السفير السوفيتي للاطمئنان عليه و طلب زيارته، و بالفعل ذهب السفير وزار السادات وخرج من عنده ليكتب تقريراً عن صحة السادات و يقول أنها مطمئنه، أما المفاجئة أن السفير نفسه قد توقف فجاءة بعد كتابة هذا التقرير عن السادات بساعات معدودة .


وبعد، فإن السادات بعد وفاة الرئيس عبد الناصر وقبل ان يتولى السلطة بحوالي اسبوع ، وبعد ان ادي صلاة شكر لله، راج يناجي ربه فقال: " ربي قد طويت من عمري صفحات ونشرت اليوم صفحة ، فأجعل صفحتي هذه ادعي للخير واخلي من الشر ، وزينها بالحق وبرئها من الباطل ، واجعل فاتحتها الاخلاص لك والعمل لوجهك ، واجعل يقيني افضل اليقين وصحح بما عندك يقيني " .