ما بعد الثورة
١٩٥٢ - ١٩٧٠
السادات و تأسيس جريدة الجمهورية


اعداد وتحرير: طه الدالي


يروي السادات ذكرياته عن تأسيس جريدة الجمهورية فيقول في مقالٍ نشر على صفحات الجمهورية في 7 ديسمبر 1954م بمناسبة مرور عام على صدور الجريدة فيقول :


أنه ذهب لزيارة جمال عبدالناصر يوم 4 يوليو 1953م، في مستشفى الدكتور مظهر عاشور بعد أن أجريت لعبدالناصر عملية استئصال الزائدة الدودية، وأنهما قد تحدثا عن صحافة الثورة و أن عبدالناصر فاجأه في ذلك اليوم و كلفه بالإشراف على إصدار أول صحيفة يومية تصدرها ثورة يوليو لتدعو لها وتتبنى أفكارها و تدافع عن سياساتها، وأضاف السادات أن عبدالناصر قال له، أنه لابد أن تكون للثورة صحافتها، وطلب السادات مهلة للتفكير لأن إصدار جريدة يومية أمر شاق وعسير و يحتاج إلى استعداد وتجهيزات، ورغم أن السادات عمل لفترة من الوقت في دار الهلال إلا أن إصدار صحيفة يومية يحتاج إلى مطابع و عمال مهره و أسرة تحرير، و إدارة توزيع و إعلانات، وعاد السادات بعد يومين إلى عبدالناصر ليخبره أن المهمة مستحيلة و تحتاج لوقت طويل، ورد عبدالناصر إذن كيف قمنا بالثورة وسط كل المصاعب التي كانت حولنا، إن الثورة لابد أن تكون لها صحافتها، و أن الجريدة لابد أن تصدر قبل نهاية العام وقبل أنور السادات .


ثم أخذ السادات بعد ذلك يتردد على دار الهلال خلال يوليو 1953م ، يسأل و يستفسر و يستمع إلى نصائح الزملاء والخبراء في الإدارة والتحرير و التوزيع و الطباعة والإعلان، وكان أول شيء يشغل بال السادات هو البحث عن مقر للجريدة، وفى أول اغسطس عام 1953م أستأجر شقتين بالطابق الخامس في إحدى العمارات الجديدة في شارع شريف و هي العمارة رقم 36، وتم فرش و تجهيز هذا المقر المؤقت فوراً، وأخذ السادات يتردد على هذا المقر بصفة دائمة و يجتمع مع مجموعة من الذين تم اختيارهم للعمل في الجريدة وكان على رأسهم بالطبع حسين فهمى الذى تم ترشيحه ليكون أول رئيس تحرير للجريدة الجديدة، وقد بدأ العمل الجدى في التحضير لإصدار الجريدة منذ سبتمبر 1953م، فقد أخذ السادات في إحضار صحف كثيرة من الشرق و الغرب و أخذ هو ومن معه في دراسة كل شيء في هذه الصحف في محاولة للاستفادة من خبراتها و تجاربها، و اكتشف السادات أن الجريدة تحتاج إلى كميات كبيرة من الورق و أن الكمية المطلوبة ليست موجودة في مصر و أنهم يحتاجون للتعاقد مع إحدى الشركات العالمية للحصول على كميات الورق المطلوبة و يذكر أنه في 18 يوليو 1953م، وجه مدير المطبوعات خطاباً إلى هيئة التحرير يحمل الموافقة على إصدار الجريدة الجديدة، واعتباراً من أكتوبر 1953م بدأت حملة إعلانية كبرى في الصحف المصرية تمهد لصدور جريدة الجمهورية كأول جريدة يومية تصدرها الثورة المصرية، ومن أمثلة هذه الإعلانات جريدة الجمهورية تلهب ظهر الاستعمار، جريدة الجمهورية جريدة الشعب و هكذا .


ويقول السادات أنهم قاموا بشراء دار صحيفة الزمان 11 شارع الصحافة وكانت صحيفة اخبار اليوم تطبع بها لفترة من الزمن، واستمر العمل في التجارب لعدة أسابيع، حتى تم الاتفاق على الشكل النهائي، وعند الثانية بعد منتصف الليل، دارت ماكينات الطباعة ليتسلم السادات أول أعداد الجريدة الوليدة، وفى الصباح الباكر توجه إلى منزل عبدالناصر فوجده يتناول الافطار و الشاي فسلمه النسخ الأولى من الجريدة ، وبعدها بدقائق كان الباعة في الشوارع و الميادين ينادون الجمهورية.


وقد صدر العدد الأول صباح يوم الاثنين 7 ديسمبر 1953م، وكان الأساس في الجمهورية أن تكون صحيفة رأى أولا ثم صحيفة خبر ثانية، فقد كتب في الجمهورية عدد كبير من الكتاب البارزين أمثال، طه حسين، محمد مندور، لويس عوض، خالد محمد خالد، كما كتب فيها رجال الثورة و اساتذة الجامعات، وقد صدرت الجمهورية وسط منافسة شديدة من صحف كبرى مثل الأهرام وأخبار اليوم و المصري، وفى العدد الأول كتب السادات باعتباره مدير عام الجريدة مقالاً بعنوان " الجمهورية " جاء فيه :


هذه الجمهورية تشق طريقها إليك بين الصحافة العربية و تشق طريقها واضحاً لا تخبط فيه و لا التواء و لا مجاملة ولا تحامل، لقد حددت أهدافه او آلت على نفسها ألا تنفذ هذه الأهداف إلا بسلطان الصدق وفى ضوء الوضوح، وهى بهذا السلطان وهذا الضوء خليقة بقيادة و توجيه الوعى في كل مرفق من مرافق الوطن، أنها جريدة حره حرية الثورة التي تضيئ طريقها بنار الحق، ونار الحق تحرق الأصنام و تحرق المفاسد، وهى جريدة قويه قوة الثورة التي تخط طريقها إلى أهدافه ا عازمة مطمئنة .


كان المقر الأول لجريدة الجمهورية في 36 شارع شريف، والمقر الثاني كان مبنى دار الزمان 11 شارع الصحافة، وقد صدرت الجمهورية عن هذا المبنى من عام 1953م حتى 1956م، حين انتقلت للمقر الثالث في 24 شارع زكريا أحمد، وكان هناك مبنى اخر تابع لها في 5 شارع نجيب الريحاني، أما المقر الحالي فلم يبدأ العمل فيه إلا بعد عام 2000م، ومن الجدير بالذكر أن جمال عبدالناصر كتب افتتاحية العدد الأول للجمهورية تحت عنوان " دور الاستعمار في ضرب القومية العربية " وتولى السادات منصب المدير العام للجريدة من سنة 1953م حتى 1956م، وتولى منصب رئيس مجلس الإدارة من سبتمبر 1956م حتى إبريل 1959م، وفى يوم 9 ديسمبر 1953م أعلنت الجمهورية على صفحتها الأولى أن الجريدة اتفقت مع الزعيم اليساري الإنجليزي أنورين بيفان، وهو من أقطاب حزب العمال البريطاني على أن يكتب مقالاً كل أسبوع على صفحات الجمهورية، وفى فبراير 1956م ظهرت صفحة سياسية يشرف عليها السادات وهى الصفحة الثالثة و يغلب عليها الرأى وتعبر عن موقف الجمهورية من القضايا المحلية و العربية و العالمية .


وكتب السادات طوال عمله الصحفي عن مسيرة الثورة و ظل يشارك بقلمه في كل المعارك التي خاضتها الثورة في الداخل و الخارج، و كتب عن صدام الثورة بالأحزاب وعن الصراع بين القوى السياسية ، كما سجل تحركات الثورة في المجالين العربي و الدولي و فيما يلى نماذج من كتابات السادات ومقالاته التي نشرها و المتصلة بالموضوعات المشار إليها سابقاً .


ففي عدد جريدة الجمهورية بتاريخ 26 يناير 1954 م يكتب السادات مقالاً مطولاً يشرح فيه كيف تحولت جماعة الإخوان المسلمين إلى حزب أرستقراطي، وفى مقال اخر للسادات بتاريخ 9 سبتمبر 1954م يذكر في مقال له أنه التقى في مكتب عبدالناصر بنائب المرشد الدكتور محمد خميس حميدة وصرح له السادات في تلك المقابلة بغضبه الشديد من المرشد العام للجماعة حسن الهضيبي لأنه تحدث إلى أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة وقال له، لماذا يخطب السادات الجمعة، أنه لا يعرف كيف يخطب و لا يعرف أصول الدين، وأضاف المرشد أنه قد بلغه أن بعض المصلين كانوا يصلون خلفه ثم لا يلبثون أن يعيدوا الوضوء و يصلوا ثانية بعد أن يتركهم، و قد نقل عضو مجلس قيادة الثورة هذا الكلام مباشرة نقلا عن الهضيبي شخصيا و في منزله، وقال السادات لنائب المرشد أنه أى السادات أحق بالإخوان من الهضيبي، و حكى السادات وقائع كثيرة حدثت بينه و بين حسن البنا، ومنها أنه قد تكونت جبهة بقيادة الفريق عزيز المصري عام 1941م، وكانت مكونة من الضباط الأحرار في الجيش وضباط البوليس المنتمين للإخوان و جماعة الإخوان المسلمين، وكان السادات يمثل في هذه الجبهة الضباط الأحرار و الإخوان في وقت واحد بعد تفاهم تام مع زملاء السادات في الجيش و مع حسن البنا نفسه .


وكتب السادات بتاريخ 20 أكتوبر 1956م مقالاً بعنوان " سكتناله دخل بحماره " ويهاجم السادات في هذا المقال سلوين لويد وزير خارجية بريطانيا بسبب محاولته الحصول على موافقة أمريكا على أن تقوم جمعية المنتفعين بالقناة بتحصيل رسوم عبور القناه بدلاً من الحكومة المصرية وذلك بعد قرارا مصر تأميم القناه في 26 يوليو 1956م .


وفى جريدة الجمهورية بتاريخ 24 اغسطس 1957م نجد مقالاً للسادات بعنوان
" المهرج الكبير " ويقصد به طبعاً جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا فى ذلك الوقت بسبب تبنيه مشروع ايزنهاور او مبدأ ايزنهاور ومحاولة أمريكا فرضه على شعوب المنطقة .


وهناك مقال اخر بتاريخ 24 نوفمبر 1957 بعنوان " المتعوس وخايب الرجا " وهو عن اجتماع جي موليه رئيس وزراء فرنسا مع الرئيس الأمريكي ، وعلى أية حال فإنه لابد و في هذه المناسبة التي نستعرض فيها بعض مقالات السادات ، أن نتعرض للحلقة الأخير من مذكرات السادات " 30 شهراً في السجن " والتي نشرتها جريدة المصور، والحلقة السادسة والأخيرة نشرت بتاريخ 10 سبتمبر 1948م، وكانت بعنوان ( كان لي في السجن 11 ولداً ) - وفى هذه الحلقة يتعرض السادات لزملاء السجن الذين رافقوه المحنه في قضية أمين عثمان، ويتكلم السادات عنهم و أحدا بعد الاخر كالآتي :

السيد عبدالعزيز خميس :
الدكتور ، دكتور في الآداب طبعاً لأنه في كلية الآداب، وهو الطالب الوحيد بين المتهمين الذى ثابر على دروسه وكان دائمًا مشغولاً بمستقبله .


حسين توفيق :
جموح في الشخصية واندفاع في تقدير الأمور، إذا جلست إليه تحدثه في أمر من الأمور فهو العاقل الهادئ، بل وترى شخصاً خجولاً لطيفا وروحاً سمحه، فإذا تطورت المناقشة لأمرٍ يخالف ما يوحى به عقله تغير على الفور وانقلب الهدوء إلى ثورة تتخطى كل الحدود


سعيد توفيق :
أشعب، سعيد أشعبي أحمق فحينما يستعمل أحد الصابون الخاص به يعلو صراخه، وحينما يشاركه أحد طعامه يبكى من هول ما يتكبد أهله من مصاريف، كان سعيد قبل السجن يقوم بتربية الأرانب و الدواجن في المنزل وكان يبيعها لأهله في المنزل بالميزان وبالسعر الذى ينم عن الجشع .


لقد كتب السادات أكثر من ألف مقال صحفي، وفى عام 1954م نشرت له قصة قصيرة بعنوان " ليله خسرها الشيطان "
كما كتب قصة أخرى لم تنشر حتى الآن بعنوان " صراع الجزيرة "